أزمة متجذرة بين الجيران والملعب
على مدى الأشهر الماضية ارتفعت درجة الاحتقان بين الساكنين في الأحياء المجاورة لملعب سانتياجو برنابيو وبين إدارة ريال مدريد التي تحلم بإدخال إيرادات جديدة عبر الاعتماد على المدرج كمنصة تستضيف حفلات فنية ضخمة، لكن الضوضاء المفرطة تسببت برفع مجموعة من السكان لشكاوى رسمية إلى الجهات المختصة مدّعين أنّ الصوت العالي وصل إلى مستويات لا تحتمل قبل وبعد منتصف الليل. هذه المشكلة دفع دفاع الجيران للتقدم بإجراء قانوني أمام القضاء الجنائي في مدريد، الأمر الذي دفع إدارة النادي للتريث وتجميد جميع الخطط المرتبطة بالحفلات حتى صدور حكم نهائي أو إيجاد حلول تقنية تقلل مستوى الإزعاج بشكل كبير.
عمدة مدريد يتدخل لإيجاد الحلول
في حوار حصري مع وكالة الأنباء الإسبانية سيرفيميديا صرّح مارتينيز ألميدا بقناعته أنّ مدينة مدريد لن تضحّي بمصلحة الثقافة والفن في مقابل راحة الجيران، إذ اعتبر الحفلات الموسيقية بنية تحتية مهمة تُسهم في حيوية الحياة الثقافية والسياحية لأهم مدينة في إيبيريا. وقال إن البلدية حريصة على التوسط بين جميع الأطراف سعياً للتوصل إلى اتفاق رافضاً أن تُعرقل التطورات التي تخطط لها إدارة ريال مدريد دون ضمان عدم إيذاء راحة السكان الذين اعتادوا على روتين يومي هادئ. وأضاف العمدة: "نشعر بضرورة توقير الجيران الذين يدفعون ثمن الحياة القريبة من معلم عالمي مثل سانتياجو برنابيو لكننا أيضاً ندرك أهمية السيناريو الذي يفتح المجال لعطاء فني يبث روحاً جديدة في الحيّ وحتى في اقتصاد المدينة".
الملف الجنائي وراء التأجيل
أوضح مارتينيز ألميدا أن هناك إجراءً جنائياً لم ينتهِ بعد، وبمجرد أن يتم حسم هذا الملف سيصبح من الممكن إصدار تراخيص فورية أو رفضها حسب المعطيات التقنية والضوابط التي تتفق عليها المؤسسة البلدية مع إدارة النادي وجماعة السكان. وحذّر أن محاولة تجازو الإجراءات القانونية قبل صدور حكم قضائي نهائي قد يكلّف المدينة غرامات باهظة كما يحتمل إعادة فتح الملف لاحقاً. لذا أشار إلى أن البلدية تعمل على إعداد دراسة شاملة تشمل قياس مستويات الضوضاء وتشكيل لجنة متابعة تضم ممثلين عن الساكنين ومنظّمين الحفلات والفنيين المختصين بحدّ الصوت لتوصيل صوت كل طرف قبل اتخاذ القرار الختامي.
إجراءات فنية تعتمدها إدارة الملكي

من جانبه أبلغ نادي ريال مدريد البلدية بأنّه سيعتمد مقترحات تقنية للحد من انبعاثات الصوت من المدرج عبر جدار عازل يمتد حول حلبة الملعب، إضافة إلى استخدام مكبرات صوتية حديثة قادرة على توجيه الصوت باتجاه المدرجات الداخلية فقط دون السماح له بالتسرب إلى الأحياء السكنية. هذه الخطوات الفنية تجري حالياً بدعم من خبراء صوتيات ووضع بطاريات اختبارات تجريبية لقياس مستوى الديسيبل في شوارع مجاورة تحت ظروف مختلفة. وقد صرّحت مصادر داخل القلعة البيضاء بأن تحديد أوقات انطلاق الحفل وموعد الانتهاء سيكون مقترناً بتنظيم دقيق يراعي عدم تجاوز ساعات معينة يتم الاتفاق عليها مسبقاً مع الجيران وأجهزة الشرطة البلدية لضمان انضباط كامل للحدث.
توقعات بعودتها قريباً
بحسب تصريحات العمدة ومصادر قريبة من المفاوضات الانتقالية بين الجانبين يُرجّح أن تُستأنف الحفلات الموسيقية في أيلول أو تشرين الأول على أبعد تقدير بعد استلام البلدية تقريراً متكاملاً من قسم الصوتيات وخبراء البلدية. وستكون الحفلات المُقبلة وفق بروتوكول صارم يشمل قيوداً على مستوى الصوت ومنطقة محظورة للصوت الصادر تجاه الأحياء ويقتصر فقط على الداخل من الملعب. وسيُمنع تشغيل مكبرات الصوت الأشهر بعد وقت معين ليلاً حسب ما تحدده تعاميم البلدية التي غالباً ما تتوافق عليها مع آليات الضبط التي تعتمدها الشرطة المحلية. هذه المؤشرات أكدت لأطراف عديدة أن الأزمة ربما تُحل بعيداً عن المحكمة وأن طرفي الخلاف، النادي والجيران، سيجدا منفذاً يرضي الجميع.
ردود فعل ساخنة عبر السوشيال ميديا

على المنصّات الاجتماعية أطلق أنصار النادي هاشتاغات دعم لدور العمدة ومطالبين بسرعة الحسم في هذا الملف حتى لا تفقد مدريد فرصة استضافة نجوم عالميين على أرضها. في المقابل غضبت فئة من السكان وغرّدت أن إقامة حفلة واحدة قد تضيع صيفهم ويُعطب نوم أطفالهم أو يؤثر في الجدّات المرضعات اللواتي يحتجن الهدوء. لكن الرأي الغالب يميل إلى تسوية مرضية تقارن بين مصلحة تطوير المدينة ثقافياً واقتصادياً وبين ضرورة الحفاظ على نمط حياة هادئ للساكنين. وفي هذا الإطار بدا أن الكلمات الودّية التي أشار إليها مارتينيز ألميدا حين قال "أدعم هذا الأمر لأنه يصبّ في إطار تنمية مدريد" لاقت أصداء إيجابية لدى الصحافة المحلية التي ركّزت على دور البلدية الوسيط.
هل تنجح مدريد في التوفيق؟
يبقى تساؤل الجميع معلقاً حتى ترفع القضية الجنائية وقف تنفيذ تراخيص الحفلات، إذ إنّ نجاح مدريد في هذه المعركة سيكون نموذجاً يُحتذى للمدن الكبرى التي تمتلك ملاعب ضخمة داخل قلب التجمعات السكنية. فيما يؤكد خبراء أن معالجة ملف الحفلات في مدن عالمية كالمالديف ونيويورك ولندن بدأت باستثمار تقنيات عزل متقدمة وعقد اجتماعات دورية تجمع السكان والمنظمين، وهو منهج عيناه عمدة مدريد هكذا تدخل مستشاره لفحصه قبل إقرار أي قرار. كل المؤشرات الحالية تؤكد أنّ ملف حفلات سانتياجو برنابيو سيكون درساً مهماً لكيفية توازن حياة الناس مع المتطلبات الثقافية والترفيهية في مركز عاصمة أوروبية تعد مقصدًا للسياحة والرياضة منذ سنوات طويلة.
ختامًا: التوازن هو الحل
في الختام يبدو أن رضا خوسيه لويس مارتينيز ألميدا لن يألو جهداً لإذابة الصفيح بين شكاوى الجيران وطموحات إدارة ريال مدريد، إذ حمل في كلماته الثقة بضرورة تسوية ملف الحفلات دون المساس بحقوق الساكنين في الهدوء والسكينة، مما يبشّر بعودة سلسلة من الحفلات الضخمة التي قد يتابعها عشاق الملكي وعشاق الموسيقى على حد سواء بين جدران أعرق ملعب في العالم.