تصريح تاريخي وأزمة التواصل
بعد موسمٍ حافلٍ من الجدل حول تصريحاته المثيرة للجدل في يورو 2024، أعاد خورخي سامباولي، المدير الفني الأرجنتيني السابق للمنتخب، فتح ملف تقييمه لأداء عثمان ديمبيلي، جناح باريس سان جيرمان.
ففي صيف 2024، وخلال حضوره في برنامجٍ تحليليٍّ حول يورو المقامة في ألمانيا، وصف سامباولي أداء ديمبيلي أمام إيطاليا بأنه "كأنه لاعبٌ مصاب بالتوحد على أرض الملعب"، وهو تعليقٌ أثار ردود فعلٍ غاضبةً من جماهير وجماعات حقوقية، دفع المدرب الأرجنتيني للاعتذار لاحقًا موضحًا أنه "أخطأ في اختيار الكلمات".
وفي تصريحاتٍ جديدةٍ لصحيفة "سبورت" الإسبانية، قال سامباولي:
"لقد كنت سيئًا جداً في التعبير عن نفسي. أنا مدفوعٌ بالعاطفة والشغف تجاه كرة القدم، وكل ما أردت قوله هو أن ديمبيلي لا يلعب كجزءٍ من فريقٍ متماسكٍ، بل يركّز على مجاراتي الخصم الفردي أكثر مما ينظر إلى زملائه."
وجهة نظر فنية تتجاوز الجدل الصحي
أضاف المدرب السابق لمنتخب الأرجنتين:
"ديمبيلي قادرٌ على تقديم لحظاتٍ ساحرةٍ، وهو بالفعل من أفضل اللاعبين في العالم من ناحية المهارة والسرعة. لكن كرة القدم الناجحة تتطلب تقاسمٌ للكرات والتعاون في التحركات. أما ديمبيلي، فيعزل نفسه ويتصرف وفق رؤيته الفردية، وهذا يخلق فراغًا في بناء الهجمات المشتركة."
هذه الرؤية الفنية لـ"المدرس" سامباولي لا تقلل من قيمة قدرات جناح "البي إس جي"، لكنها تسلط الضوء على أهمية التكامل بين العناصر، لا سيما في أنديةٍ مثل برشلونة سابقًا أو باريس سان جيرمان حاليًا، حيث تُصنع البطولات عبر الحركات الجماعية أكثر من البصمة الفردية.
الاعتذار الحقيقي

وفي معرض اعتذاره، أوضح سامباولي:
"لم يكن لدي أي قصدٍ مهينٍ تجاه من يعانون من اضطراب طيف التوحد. أنا أحترم الجهود والقدرات الخاصة لأي شخص، لكنني أخطأت في التعبير."
وقد نشر المدرب الأرجنتيني بيانًا رسميًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أكد فيه: "أعتذر عمّا بدر مني من سوء تعبير، وأرفض أي ربطٍ بين الأداء الرياضي والحالات الصحية للآخرين."
ديمبيلي في نصف نهائي الأبطال
في غضون ذلك، يستعد ديمبيلي وزملاؤه في باريس سان جيرمان لمواجهة أرسنال في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا غدًا الأربعاء على ملعب حديقة الأمراء.
فقد منح الجناح الفرنسي فريقه الفوز 1–0 في لقاء الذهاب بفضل هدفٍ سجّله في منتصف الشوط الثاني برأسيةٍ قويةٍ، مما يضع "البي إس جي" على أعتاب التأهل النهائي لأول مرةٍ منذ سنواتٍ طويلةٍ.
ومع إصرار سان جيرمان على حسم تأهله أمام جمهورٍ هو ثاني أكبر حضورٍ بملاعب أوروبا، يتوقع أن يتمحور عمل ديمبيلي تحت الضغط حول الأدوار التي ينتزع فيها الكرة بهدفٍ لفك الحصار الدفاعي، وليس الانسحاب الفردي بعيدًا عن التمرير واللعب المنظم.
تأثير الجدل على مسيرة ديمبيلي

ابتداءً من حالة الغضب التي تلت تصريح سامباولي، شهد ديمبيلي دعمًا جماهيريًا كبيرًا عبر هاشتاجاتٍ في وسائل التواصل: “StandWithDembele”، فيما شدد تحليلٌ تكتيكيٌّ على أن هذه الحادثة لا تمثّل سوى استثناءٍ في مسيرةٍ احترافيةٍ طويلةٍ بدأها نجم برشلونة سابقًا قبل الرحيل إلى باريس في 2017.
وتشير أرقامه مع النادي الباريسي إلى 48 هدفًا و27 تمريرةً حاسمةً في 123 مباراةٍ رسميةٍ على مدى خمسة مواسمٍ، أي بمعدلٍ قريبٍ من 0.6 مساهمةٍ تهديفيةٍ لكل مشاركةٍ. وتبرهن هذه الإحصائيات على أن ديمبيلي يجمع بين المراوغة والاختراق بشكلٍ فريدٍ، لكنه في الوقت نفسه يحتاجُ لتعميق فهمه لمبادئ اللعب الجماعي.
خلاصة فنية قوامها "التوازن"
ما بين الموهبة الفردية والالتزام التكتيكي الجماعي، يقف ديمبيلي في مفترق طرقٍ يتعين عليه الاختيار فيه أمام كبار الفرق الأوروبية.
وشدد سامباولي في ختام حديثه:
"أعترف بعبقريته في لحظاتٍ فرديةٍ، لكنني أريد أن أراه جزءًا من فراشٍ أوسعٍ من التمريرات والتحركات التشاركية. حين يتحسن التوازن بين ما يقدمه لنفسه وما يقدمه للآخرين، سيصل إلى قممٍ جديدةٍ."
إن موقعة الأبطال المقبلة ستكشف مدى تجاوب ديمبيلي مع هذه الانتقادات البناءة ومقدار تدريبه على "التسليم والتحرك"، وهما حجر الزاوية لأي جناحٍ ناجحٍ في كرة القدم اليوم.
وأمام هذا السياق، ستظل كلمات سامباولي وتفسيراته درسًا في ضرورة "احتساب كل كلمة قبل إطلاقها"، خصوصًا حين تلامس قيمًا إنسانيةً قبل أن تمس الأداء الرياضي.