باريس سان جيرمان يفرض وصايته ويكشف هشاشة أرسنال في إعلان حقبة إنريكي
تنويع الأسلحة وسرعة التحولات
منذ الدقيقة الأولى، بدا واضحاً اعتمـاد إنريكي على خطة 4-3-3 متحرّكة، سمح لأرسنال بالاستحواذ الظاهري على الأطراف بينما تأمين عمق ملعبه بفضل الثنائي الهجومي ماركينيوس وفابيان رويز وشراكة فيتينيا. ورغم هجمات الجانرز التي بدأت قوية من العرضيات واختراقات ساكا ومارتينيلي الجانبية، كان دوناروما يقف كالعمود الثاني أمام أي كرة “محققة”، مانحاً الثقة لدفاعه في كل مرةٍ تنقطع فيها الكرات العرضية إلى منطقة الجزاء.
الهدف الأول (د.27) جاء كعقابٍ مضاعفٍ لتقدم أرسنال، عندما انقضّ فابيان رويز على هجمة مرتدةٍ سريعةٍ، استقبل تمريرة مربّعة عند بدنيةٍ عاليةٍ، وأطلق تسديدةً مقوسةً ليس لها رادع سوى شباك رايا. هنا أثبت الفريق الفرنسي أن التحولات ثنائية الاتجاه لا تقل خطورةً عن الاستحواذ المكثّف.
حكيمي.. شريط القيادة الديناميكي
لعب ظهير ريال مدريد السابق دور البطولة في الشوط الثاني، حيث تواجد في كل شبرٍ بالملعب. انطلق في عدة هجماتٍ مرتدةٍ وشارك في الضغط على حامل الكرة، قبل أن يحصل على ركلة جزاء تقديريةٍ بعد تدخلٍ في منطقة الجزاء على هجمةٍ مضادة. ومع أن فيتينيا أضاع تنفيذ الركلة، أعاد حكيمي الاعتبار بتسجيل الهدف الثاني بعد دقيقةٍ واحدةٍ من الإهدار، حين اخترق المنطقة وتبادل الكرة مع دي ماريا ثم صوبها بقدمه المرفوعة لتسكن الشباك.
هذا الأداء المزدوج (دفاع وهجوم) وضعنا أمام سؤالٍ واضح: كيف غاب حكيمي عن اهتمامات ريال مدريد رغم قدرته على تغيير الدفة في اللحظات الحاسمة؟ وماذا يملك البطل الإسباني من رؤيةٍ جعلته يفضّل ضم لاعبين أقل نجاعةً من الشاب المغربي؟
إنريكي يكافئ العلاج الذهني ويشكر “فيروس مبابي”
اعترف لويس إنريكي في أكثر من مقابلةٍ سابقةٍ بأن رحيـل مبابي أثار قلقاً في أروقة النادي. لكن العائد الإيجابي كان “تخلصاً” من شخصية نجمٍ فرديٍّ كان يحجب الإظهار الجماعي للفريق. وقال في تصريحٍ خاصٍ لقناة النادي:
“غياب مبابي منحنا فرصةً لإعادة توزيع الأدوار وتحقيق التواصل الذهني بين جميع اللاعبين؛ فجأةً أصبحنا نلعب كجسدٍ واحدٍ، وكلٌّ يعلم دوره”.
ودعا إنريكي إدارة الخليفي إلى تقديم الشكر لريال مدريد على شراء الأسطورة بالمجان، معتبراً أن “فيروس مبابي” – كما سماه – فعّالٌ في تحفيز بقية العناصر وتحويل باريس إلى خصمٍ لا يُقهَر في المباريات الكبيرة.
أرسنال بين وهم البنية وكابوس الكرات الثابتة

لم يكن أرسنال رقماً صعباً هذه المرة، رغم تكرار وصفه “البناء للمستقبل” من قِبَل مدربه ميكيل أرتيتا. فقد سقط الفريق اللندني في اختبار أخلاقي وفني أمام مدربٍ يعرف كيف “يبيّع الوهم” للجماهير دون أن ينتزع الألقاب. وبدلاً من تصحيح الأخطاء بعد تأخره بهدفٍ مبكرٍ، اختار أرتيتا الاستمرار في الضغط على الأطراف دون تعديل عمق الارتكاز، ليفاجأ بهدفٍ قاتلٍ يقتل المباراة في الدقيقة 87 عبر تبديلٍ خاطفٍ قاده فيتينيا في مشهدٍ عزّز نظرية “أكبر مشروعات الأمل” التي لا تنتج ألقاباً.
ولعل أبرز ما كشفه هذا النهائي الجزئي أن أرسنال، رغم الاستثمارات الضخمة في المواهب الشابة، لا يزال يفتقر إلى مدربٍ يستثمر الضغط العالي مع ضبطٍ دفاعيٍّ صارمٍ في الكرات الثابتة، بعدما تكبد أهدافاً من ركنياتٍ وانطلاقاتٍ طويلةٍ.
ما بعد النهائي: ثنائية محلية ومتعة القارة

ينتظر باريس سان جيرمان فرصةً لتحقيق رباعيةٍ تاريخيةٍ بفوزه قبل أيامٍ بلقب الدوري الفرنسي، وتأهله لنهائي كأس فرنسا، ويحسم أواخر هذا الشهر مواجهة كأس العالم للأندية بصيغتها المُوسّعة في الولايات المتحدة. وتشير معطيات “ماركا” و”موندو ديبورتيفو” إلى أن المشروع الجماعي الآن سيُرجّح كفة “البي إس جي” في أوروبا، بعدما انتقل من فريقٍ يكتفي بحضور النجم الأوحد إلى كتيبةٍ شاملةٍ مرشحةٍ لكل الألقاب.
هل يدرك أرتيتا الدرس الأخير؟
بينما يحتفل إنريكي بذكاءٍ في استغلال ورقة مبابي، يواجه أرتيتا سؤالاً ملحّاً: هل يستمر في بيع “بناءٍ مستقبلي” لا نهاية له، أم يختار شحذ قواه النفسية والتكتيكية لحصد الألقاب؟ وبعد أن شاهد “طريقة عمل” إنريكي مع لاعبيه اليوم، بات عليه أن يختار إما الاستمرار في دور “البائع السياسي” للجماهير، أو الاعتراف بأن الكبرياء في أوروبا لا يتحقق إلا بتحرير النفس من أوهام الهيمنة على الأسماء وتفعيل روح المجموعة أولاً وآخراً.