تعرض البولندي سيمون مارشينياك لهجومٍ لاذع من جماهير برشلونة وإنتر ميلان طوال الأسابيع الماضية، لكن ذاكرة الحكم المخضرم لا تزال تحمل في جعبتها الكثير من اللحظات الجدلية التي أقادت مسار أكبر المباريات. وبعد استبعاده من إدارة نهائي دوري أبطال أوروبا “ميونخ 2025” لصالح الحكم الروماني إشتفان كوفاتش، حصل مارشينياك على تعويضٍ جزئيٍ لهذا الإقصاء المؤلم، عندما كُلف بقيادة نهائي كأس اليونان بين أوفي كريت وأولمبياكوس في 17 مايو الجاري.
محطات ساخنة في نصف نهائي الأبطال
أضرم مارشينياك فتيل الجدل بعدما أدار مواجهتي نصف نهائي دوري الأبطال بين برشلونة وإنتر: التعادل الصاخب 3-3 في “كامب نو” والهزيمة المتراجعة 3-4 على أرض “جوزيبي مياتزا” بعد شوطين إضافيين. وكانت اللقطات الجدلية الأكثر صخباً تتعلق بعدم احتسابه ركلة جزاء صريحة للضيوف إثر لمسة يد واضحة لفرانشيسكو أتشيربي، مقابل منحه إنتر ركلة جزاء أثر تدخل مبهم من باو كوبارسي على لاوتارو مارتينيز.
وعندما ألغى مارشينياك هدف التعادل لبرشلونة في اللحظات الأخيرة بسبب تسللٍ شكّك فيه جمهور “البلوغرانا”، نشبت عاصفة تغريدات وانتقادات إعلامية تمنّ الاعتراف “بانحيازه الواضح” للفريق الإيطالي. وتُكرر هذه الومضات الحكومية وجهاً لمسيرة الحكم البولندي الممتدة منذ 2011 في دوري الأبطال، والتي شهدت تأويلاته المثيرة للجدل أكثر من مرة.
الإقصاء من كأس الأندية يفتح الأبواب أمام عناد اليونان
في تطورٍ غير متوقع، أعلن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم مطلع الأسبوع عن اختيار مارشينياك في طاقم تقنية الفيديو “فينار” لنهائي دوري الأبطال، لكن رغبته في منصب الحكم الميداني ذهبت هدراً لصالح إشتفان كوفاتش، وهو ما اعتُبر رسالة تأديبية لحرص “يويفا” على تهدئة الأجواء قبل المباراة المرتقبة في ميونخ.
لكن سريعاً ما تلقف مارشينياك منصباً جديداً على أرض الواقع، حيث تم تكليفه بإدارة نهائي كأس اليونان بين أوفي كريت وأولمبياكوس. ويبدو أن الاتحاد اليوناني قرر توظيف خبرته الخارقة وإصراره على فرض القانون لفض الشراكة التي بدأت تتوسع بين الفريقين اللذين تصدّرا الدوري المحلي.
تاريخٌ يراوح بين الاحتراف والتحكيم “الساخن”

لا يقتصر سجل مارشينياك على الجدل مع برشلونة وإنتر، ففي الموسم الماضي قاد مواجهة بايرن ميونخ وريال مدريد في نصف نهائي الأبطال أيضاً، وحُمل مسؤولية إلغاء هدف صحيح لماتيس دي ليخت مدافع البافاري، ما مكن الفريق الإسباني من حجز مقعده في النهائي. ووقع الحكم البولندي أمام شاشات التلفزيون دقائق احتدم النقاش حول خط التسلل، وعاد الدليل المصور بعد انتهاء المباراة ليكشف أن الهدف كان شرعياً.
وبعيدا عن أوروبا، شهدت مسيرته تألقاً في كأس العالم 2018 بروسيا حيث أدار مباراتي دور المجموعات، قبل أن يتابع مغامرته في يورو 2020 ويشارك في بطولة كأس العالم للأندية 2021. لكن فترات الابتعاد عن أرفع المباريات وتبني قرارات “محايدة” تجعل من عودته إلى كأس اليونان اختباراً حقيقياً لمدى قدرته على نفض رداء الاتهامات والتحرر من ضغط أسماء عريقة وقفَّت أمام سطوته التحكيمية.
تحديات جديدة تحت سقف أولمبياكوس

يدرك مارشينياك أن مواجهة أوفي كريت ستكون صعبة على أكثر من صعيد: لا التوترات المحلية بين أندية القمة في اليونان، ولا رياح الاستياء التي لا تزال تعصف بأروقة “يويفا” بعد قرعه من أعلى المباريات التي كان يأمل بإدارتها. ومع ذلك، يعول اتحاد الكرة اليوناني على صرامة قراراته وسرعة الرجوع إلى تقنية “الفار” لتفادي أي انحياز محتمل، وما يحد من سهولة الانتقادات الاعلامية.
ومن المنتظر أن يشهد النهائي مواجهة تكتيكية عصيبة بين المدربين المخضرمين لأوفى وأولمبياكوس، اللذين لا يقدران أي خطأ في التحكيم، فكل قرار سيحرق حطب نار جماهيرٍ لا ترحم. ويأمل مارشينياك أن يخرج من هذه “المعركة اليونانية” بصدقية تعيده سريعاً إلى إدارة المباريات الكبرى في أوروبا، وأن يثبت للجميع أنه لا يزال “الحكَم القادر” على كبح جماح أعنف النزاعات الكروية.
في خضم رحلته الممتدة من الملاعب العالمية إلى مدرجات البطولات المحلية
يواجه سيمون مارشينياك فرصة ذهبية لاسترداد مكانته بين الكبار، وتأكيد أن الحكام ليسوا عرضة لشروط أي نادٍ مهما علا شأنه. وما إن تمر صافرة نهاية نهائي كأس اليونان، حتى تبدأ جميع العيون في أوروبا باحتساب درجاته التحكيمية وشجاعته في القرارات، قبل أن تتجه سريعاً نحو مرحلة جديدة في مسيرته الملتهبة.