قصة أتشيربي… من معارك السرطان إلى هدفٍ لا يُنسى ضد برشلونة

مسيرة بدأت بعشق الميلان

في مساء السادس من مايو، منح فرانشيسكو أتشيربي إنتر ميلان دفعةً هائلة حين استقبل كرةً ثابتةٍ داخل منطقة الجزاء ليسجل الهدف الثالث في شباك برشلونة ويعيد الأمل إلى جماهير النيرازوري بعد سنوات من الغياب في المنافسات الأوروبية. بعيداً عن الأضواء، عاش المدافع الإيطالي رحلة استثنائية، حارب خلالها السرطان مرتين، انتصر على الاكتئاب والإدمان، وتعرض لاتهامات عنصرية وتشبيهات مهينة، قبل أن يتحول إلى رمزٍ للصمود والاحتراف.

نشأ أتشيربي في مدينة ساسّاري الإيطالية كمشجعٍ متعصبٍ لميلان، وقد حقق حلم الطفولة حين انتقل إلى صفوف الروسونيري في يناير 2012 قادماً من كييفو في صفقة صغيرة، لكنّ الرحلة مع العملاق الأحمر لم تدم أكثر من نصف موسم. في حديثٍ مطولٍ مع مجلة “أولتيمو أومو”، اعترف أتشيربي آنذاك بأنه لم يكن مستعداً للتحديات الكبرى، فتُرك بعيداً عن التدريبات الصباحية، وسكن في شقةٍ منعزلةٍ على أطراف المدينة بتوجيهٍ من نائب الرئيس أدريانو جالياني، الذي حاول ضبط إيقاع حياة المدافع الشاب بعيداً عن السهر المفرط والصحبة السيئة.

استهتار مبكر وتجاوزاتٌ ثمينة

في حوارٍ مع صحيفة “لا غازيتا ديلو سبورت”، كشف أتشيربي أن عاداته السيئة لا تزال تسيطر عليه حتى 2013، فكان يقضي لياليً طويلةً خارج المنزل، ويستهين بمواعيد الفريق، معتمداً على قدرته البدنية الفائقة للتعافي السريع. اعترف في الكتاب الذي أصدره أثناء فترة نحسه الأولى بعنوان “كل الأمور بخير” أنه اعتقد أنه لن يلعب مجدداً، لكن تلك الفترة شكلت نقطة الانطلاق نحو إعادة تقييم حياته.

معرعتا السرطان… دروس في الأمل

عام 2017، تلقى أتشيربي أول صدمة مؤلمة حين اكتُشف إصابته بورمٍ خبيثٍ في الغدة الدرقية. دخل غرفة العمليات وأجريت له عملية جراحية استمرت ساعات، تلاها جلسات علاج إشعاعي قاسية، كادت تودي بمشواره المهني. وبعد عامين، عاد للظهور مع ساسّاري، لكن الإصابة طارئةٌ مجدداً هذه المرة في الظهر، فتكرر المشوار ذاته بين العمليات والكيميائي، لينجو مرتين من الموت المحتمل. إثر كل معركة، ظل يردد أمام الكاميرات “القوة الحقيقية تُقاس بمدى قدرتك على القيام بعد السقوط”.

انتكاسات نفسية وإدمان خارجي

ما بين الألم الجسدي والصراعات العلاجية، انسلّت إلى حياة أتشيربي نوبات اكتئابٍ حادة. في مقابلةٍ مع “أولتيمو أومو”، روى أن الأيام كانت تمر ثقيلةً، وكاد يفقد الرغبة في اللعب نهائياً قبل تدخل زوجته وعائلته. أعاد التواصل مع اختصاصي نفسي، وبدأ رحلة التعافي الذهني بالتوازي مع العلاج الطبي، ما قضى تدريجياً على شبح الإدمان على الأدوية المسكنة، التي كادت تُنهي مسيرته قبل أن تُصنع فصلاً جديداً من النضال.

اتهامات عنصرية وتشبيه بـ “هتلر”

لم تقتصر الأزمات على الجانب الصحي فقط، بل طالت سمعته ادعاءاتٌ عنصرية إثر مباراةٍ في دوري الأبطال منذ سنوات، حين أعلن خصومه وبعض الجماهير أنه تعامل بشكلٍ غير لائق مع لاعبين من أصولٍ مختلفة، بل شُبه في إحدى الحملات الإلكترونية بـ “هتلر” بسبب مظهره الخارجي الصارم على أرض الملعب. رفض أتشيربي تلك الاتهامات تماماً، مؤكداً عبر حسابه الرسمي على “تويتر” أنه يناصر قيم التعايش والتسامح، وأن تشبيهات العنصرية لا تمت إلى الحقائق بصلة.

رحلة احترافية بين كبار إيطاليا

بعد التعافي من المعارك الصحية، عاد أتشيربي بقوةٍ لينضم إلى جنوى ثم يصل إلى لاتسيو عام 2018، حيث تألق وأصبح واحداً من أفضل المدافعين في الكالتشيو قبل أن يكمل المسيرة مع إنتر ميلان في صيف 2022. في حرفيةٍ عالية، بات الركيزة الدفاعية الأولى للفريق، ومنحه مدربه الثقة الكاملة في بطولات الدوري المحلي ودوري الأبطال على حد سواء.

اللحظة الخالدة ضد برشلونة

جاءت ليلة السادس من مايو لتكتب فصلاً ذهبيًّا في دفتر أتشيربي، حين استغل ارتداد الكرة بعد تسديدةٍ قويةٍ ليسددها بيمناه نحو المقص البعيد، مصوباً هدفاً لم يكن الأول له في مسيرته القارية فحسب، بل أثبت أن الإصرار والتحدي قادران على تحويل المدافع إلى بطلٍ لا يُقهر. تراجع البارسا، واحتفل الفريق الإيطالي بهدفٍ حوّل مسار المباراة بالكامل، وذاع صيت أتشيربي في كل الصحف الرياضية العالمية.

دروسٌ مستفادة وإرثٌ مستمر

قصة أتشيربي هي أكثر من مجرد سجلٍ احترافي؛ هي نموذجٌ لروح التفاؤل والتحدي التي يُحتذى بها في ملاعب كرة القدم وخارجها. تعلّم من معرعتي السرطان أن لا عمرَ حقيقيًّا للرحلة، ولا سقف للأحلام، بل فقط روحٌ لا تستسلم وأهلُ إثراءٍ حقيقيون. اليوم، باتت قصة “قاهر السرطان” تُروى في أروقة كرة القدم الإيطالية والعالمية، عنوانها الأمل والإنجاز والتغلب على كل الصعاب، ليبقى فرانشيسكو أتشيربي أحد أبرز الشخصيات الملهمة في جيله.