في موسم دراماتيكي قلب فيه باريس سان جيرمان موازين القوة الأوروبية رأساً على عقب، خرج نجم وسط الملعب الواعد وارن زائير إيمري ليعلن أن فريقه بات أفضل كثيراً مع المدرب الإسباني لويس إنريكي، بعد أن ودّع “العملاق الصغير” كيليان مبابي إلى ريال مدريد. فما قصة هذا الانقلاب التكتيكي؟ وكيف أثبت إنريكي صحة توقعاته عن “أفضلية الفريق الجماعية”؟ إليكم التفاصيل من قلب العاصمة الفرنسية.
الطعم المر لرحيل القناص: كيف استدار النقّاد؟
قبل موسم واحد فقط، بدا “بي إس جي” مرتبطاً بحسابات مبابي التهديفية، واعتُبر التخلي عنه مخاطرة كبرى. سجل مبابي العام الماضي 40 هدفاً في مختلف المسابقات مع النادي، متربعاً على صدارة جدول الهدافين في الدوري الفرنسي “الليغ 1” ودوري أبطال أوروبا معاً. لكن انتقاله إلى ريال مدريد أواخر صيف 2024 ترك فراغاً أكبر من مجرد رقم في خانة الغائبين؛ إنه غياب الشخصية التي تستطيع قلب أي مباراة بهدفٍ وحيد.
إلا أن إنريكي، في تصريحٍ نادر ضمن الفيلم الوثائقي “You Have No Idea” المُنتَج من Movistar Plus+، تحدى هذه الفكرة قائلاً:
“لو احتفظنا بلاعب يُسجل 40 هدفاً، سنكون جيدين بلا شك، لكنني أراهن على أربعة لاعبين يسجلون 12 هدفاً كلٌ منهم. هذا التنوع يمنحنا قوة هجومية لا تُقاوم”.
هذه الرؤية لاقت استهجاناً في البداية من قبل الصحافة والجماهير، لكن أداء الفريق في الموسم الجاري أثبت أن المدرب الإسباني كان على حق.
فريقٌ بأربعة محاور: السرّ وراء التفوق
بدت أولى تجليات التحول التكتيكي لبي إس جي بعد قيام إنريكي بتغيير طريقة اللعب من 4-3-3 إلى 4-2-3-1 مرنة، مع اعتماد أكبر على دور لاعبي الوسط في صناعة الفرص والتسجيل. وقد ظهر هذا جلياً في كلمات وارن زائير إيمري، الذي قال في مقابلة مع RTL Sports أثناء اليوم الإعلامي للاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA Media Day):
“سمعنا المدرب يقول إنه بدون مبابي سنسجل أهدافاً أكثر، وأعتقد تماماً أنه لم يخطئ. الآن الخطر قد يأتي من أي مكان: من لاعبي الوسط، والمدافعين، وحتى الحراس في بعض اللحظات”.
واعتمد إنريكي على شراكة متميزة بين زائير إيمري وصانع الألعاب الأرجنتيني لاوتارو مارتينيز، اللذين سجلا معاً ما يقارب 25 هدفاً في “الليغ 1” و5 أهداف إضافية في دوري الأبطال حتى الأسبوع الأخير من الموسم. إلى جانب ذلك، تطور أداء ثنائي الأجنحة: الإسباني خوان برنات والبرازيلي رفائيل لياو، اللذين قاما بأكثر من 30 مراوغة ناجحة وقدما 18 تمريرة حاسمة.
تألق جماعي دفع بي إس جي إلى نهائي الأبطال
بتشكيلة هجومية متنوعة، تمكن باريس سان جيرمان من الوصول إلى نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الثانية في تاريخه خلال آخر ثلاثة مواسم، عقب فوزه على مانشستر سيتي في نصف النهائي بنتيجة 3-1 في مجموع المباراتين. كما بلغ الفريق نهائي كأس فرنسا للمرة الرابعة على التوالي، وتحقيق لقب الدوري للمرة العاشرة في اثني عشرة سنة.
ومع بلوغ العدد الجملي لهز الشباك في “الليغ 1” 85 هدفاً حتى الآن – وهو أكبر رقم تسجيلي في تاريخ البطولة منذ موسم 2015-2016 – فإن ضعف الاعتماد على هداف وحيد سمح بإغراق دفاعات الخصوم بتهديدات متعددة الزوايا. هذا ما ألمحه إيمري بقوله:
“لا يمكن لأي دفاع أن يراقب 11 لاعباً، وبوجود أربعة أو خمسة مسددين محتملين داخل منطقة الجزاء، تصبح كل الكرات خطرة”.
صدى الجماهير وارتباط النتائج بالمدرب
على منصات التواصل الاجتماعي رصد مشجعو باريس سان جيرمان هذا التحول، فباتت التعليقات تحت هاشتاغ #إنريكي_الثورة تتغنى بعقلية المدرب الإسباني، بينما روج آخرون لزائير إيمري باعتباره “نابليون خط الوسط الجديد”.
وفي الصحافة العالمية، رأى محلل من صحيفة “ليكيب” أن “إنريكي نسب لقائمة الهدافين 60% من أسمائها بعيداً عن مبابي، وهو رقمٌ لا يُصدّق بعد موسمٍ واحد من الانتقال”.
تحديات جديدة تنتظر بي إس جي
مع ذلك، تبقى أمام باريس سان جيرمان اختبارات صعبة:
1. نهائي دوري الأبطال: حيث يواجه خصماً من العيار الثقيل يبحث هو الآخر عن اللقب الأول في تاريخه.
2. المحافظة على توازن التسجيل: إذ يحتاج الفريق إلى الحفاظ على معدل التسجيل المتعدد حتى في المباريات الضيقة.
3. ضغط التتويج المحلي: رغم الألقاب المتتالية في الدوري والكأس، يحرص أبناء العاصمة على “الضعف الغربي” القاري.
في هذا الإطار، يبدو إنريكي مستعداً لإدخال مزيد من التعديلات التكتيكية، وربما الاستعانة بمحترف جديد في العمق الدفاعي ليمنح اللاعبين حرية أكبر في التقدم وقطع خطوط التمرير.
خاتمة: الإعلان الأخير لنجاح الرهان
لا يختلف اثنان على أن تصريح وارن زائير إيمري يشكل شهادة ثقة في عبقرية لويس إنريكي، الذي راهن على اللعب الجماعي وقلّص من الاعتماد على نجمٍ واحد. ومع نهاية الموسم ورغبة الجماهير في تتويج مغامرته القارية، يظل السؤال مطروحاً: هل سيُتوّج “بي إس جي” بثنائية تاريخية تجمع بين لقب الدوري الثاني عشر ودوري الأبطال الأول؟ الإجابة المحتملة ستأتي من مباراة واحدة، لكن كل شيء يشير إلى أن الفريق أصبح أقوى وأكثر شراسة في غياب “الصاروخ” كيليان مبابي.
