
في مقابلة صادمة مع صحيفة “ليكيب” الفرنسية، فجّر الحارس الأسطوري فابيان بارتيز – حامل كأس العالم 1998 وبطل أمم أوروبا 2000 – أسراراً كانت رهن الصمت لعقود، متحدّثاً عن تكلفة الشهرة والمجد التي دفعها جسده وروحه، وكاشفاً عن الحادث المأساوي الذي هزّ حياته الخاصة حين فقدت خطيبته العارضة العالمية ليندا إيفانجليستا جنينهما بعد ستة أشهر من الحمل.
المعركة بلا توقف… كسور وعظام متفرقة
اعترف بارتيز، الذي بلغ اليوم 53 عاماً، بأنه لم يغب عن الملاعب حتى عندما كان جسده يئنّ تحت وطأة كسور في الفخذ ووجوه مضروبة، وقال بحزن مزيج من الفخر والألم:
“في أحد أيام 1999، استلمت كرة عابرة أمام مرمى موناكو، وفجأة وجدت نفسي مستلقياً على العشب. دخل الطبيب وقال لي: ‘افضل أن تعتزل اليوم’. لكني رفضت، قلت لهم: ‘أنا هنا للدفاع عن هذا القميص مهما كلف الثمن’. قضيت الليلة في غرفة الطوارئ، ولم أعود لطبيعتي إلا بعد هدفي على ليل، رغم أن فخذي كان مكسوراً… غبت عن الملاعب شهرين بالكاد.”
وسلّط الضوء على النهج العتيق للمسؤولين الطبيين في أندية “مونتي كارلو” و”مارسيليا” و”مانشستر يونايتد”، حيث لم تُحترم احتياجات الراحة والتعافي:
“بعد إصابتي بكسرٍ في عظمة وجهي أثناء مباراة ضد أولمبيك مرسيليا، اضطررت للارتداء قناعٍ واقٍ وتعليق الألم بإصرار. كانوا يعطونني مسكّنات “كورتيزون” وكأني بطلاً خارقاً لا يمرض. اليوم، أنا أتحمل العواقب المدمرة لهذه القرارات.”
التداعيات اليومية… “جسدي يذكرني بثمن الملاحم”

يعيش بارتيز اليوم مع آلام مزمنة نتيجة سنواتٍ من التضحيات المفرطة: مفاصلٌ متصلبة، وأحياناً غياب القدرة على النوم بسبب الحِدّة التي أصابت غضاريف ركبتيه:
“عندما أستيقظ، يعلن جسدي التقدّم في السن. أشعر أن كل مفصلٍ فيه صار يُذكرني بكل محاولة انقاذٍ وكل قفزة نحو الكرة. وعندما تلقي بجسدك في الصدامات منذ عمر 15 وحتى 36 عاماً، فلا عجب من هذه النتائج. لكن على الأقل، أصبحنا اليوم أكثر وعياً وأفضل حمايةً للاعبين.”
ويشير إلى أن الأندية الكبرى باتت توظف أطقم طبية متخصصة في العلاج الطبيعي وإعادة التأهيل، بعكس الماضي الذي كان الطبيب الوحيد يحكم “بالعقل” أكثر من الخبرة:
“لحسن الحظ، تغيرت القوانين. الإصابات اليوم تُعالج بالوقت والراحة، وليس بالحقن والعناد الرياضي.”
حادثة ليندا المأساوية… ألم القلب لا يشفى

لا تقف مآسي بارتيز عند حدود الملاعب. عاشق الأضواء والأرقام، تلقى صدمةً أكبر حين فقد مع عارضة الأزياء الشهيرة ليندا إيفانجليستا جنينهما في نهاية التسعينيات، وهي العلاقة التي جمعتهما بين 1998 و2000 بعد تتويج فرنسا بكأس العالم:
“لم أكن مستعداً لفقدان ذلك الطفل. كانت مرحلةً مُفعمةً بالأمل، وقطعتُ وعداً لها بأننا سنكوّن عائلةً سعيدة. وعندما انهار حلمنا، شعرت بألمٍ لا يوصف. لا أحد يتحدث عن الجانب الإنساني لأبطال الرياضة… كنتَ ترجع للمنزل على أنك بطل، لكن حُفريات الألم في القلب كانت أكبر من أي احتفال.”
يكشف أن هذا الحادث المكثف على حياته الشخصية نجمًا عالمياً كان له انعكاسٌ كبير على تركيزه الذهني وحالته النفسية، لافتاً إلى أنه لجأ للدعم النفسي وبدأ يعي أهمية التوازن بين الحياة العامة والخاصة.
لا ندم أبداً… “كل لحظة كانت تستحقها التجربة”
مع ذلك، أصر بارتيز على أنه لا يندم على قراره بلعب هذه المبارزات الجسدية اللا متناهية:
“لو كان بإمكاني العودة بالزمن، ربما سأعطي جسدي مزيداً من الفرص للتعافي، لكنني لا أندم على حماسي وخوض تلك التحدّيات. كل هدف أنقذته، وكل بطولة رفعت فيها العلم الفرنسي، تستحق أن تُروى قصتها… حتى وإن كلفتني جسدي ثمناً باهظاً.”
تظل كلمات فابيان بارتيز شهادةً قوية على ثمن المجد في عالمٍ يسطع فيه الأبطال على العشب أمام ملايين المشاهدين، بينما يغرقون في صمتٍ وراء الكواليس. صُرخةٌ صادقة من صندوقٍ أسودٍ للاحتراف، تنبهنا إلى ضرورة حماية لاعبين كرسوا حياتهم لأجل لحظات مجدٍ لا تُنسى، وأيضاً تذكّرنا بأن الجوهرة البشرية ليست حصناً منيعاً من الألم والفقدان.