في تدويرة مفاجئة أخرى لصانع القرار الملكي، أطلق فيسنتي ديل بوسكي، أسطورة المدربين بإسبانيا وآخر من قاد منتخب "لا روخا" إلى لقبي كأس العالم وأمم أوروبا، تصريحاً مقتضباً أثار ضجة هائلة: "أفضل أن ألتزم الصمت في هذا الموضوع، حقاً، لا أريد إزعاج أحد". كلامٌ وضع الجميع تحت المجهر بعدما سُئل عما إذا كان يرى أن اختيار شابي ألونسو لإدارة ريال مدريد، على حساب راؤول غونزاليس، يمثل ظلمًا واضحًا لابن النادي وأكبر هداف في تاريخه.
تاريخ من الألقاب والإخفاقات
يقترب كارلو أنشيلوتي من وداع "المرينغي" بعد موسم آخر حافل بالتتويج بلقب الدوري الإسباني، لكن إخفاقاتٍ متكررة في دوري أبطال أوروبا دفعت إدارة النادي لوضع شابي ألونسو، نجم الفريق الذهبي في عهد "الجيل الذهبي"، خلف عجلة القيادة بدءًا من يونيو المقبل. وفي المقابل، راح راؤول، هداف ريال مدريد التاريخي، يقود "الكاستيا" (الفريق الاحتياطي) بنجاحٍ كبير منذ 2019، مع بنية فنية صلبة ودفع بالشبان المنتمين لأكاديمية "فالديبيباس" إلى الواجهة.
ما بين "الصمت الذهبي" وصرخة المدرب القديم
كان ديل بوسكي، الذي حقَّق مع ريال مدريد كأسين لدوري الأبطال كمدرب مساعد، ثم لقبي مونديال 2010 ويورو 2012 كمدير فني للمنتخب، أول من يمثّل "الروابط الأسرية" بين المؤسسة البيضاء وأجيالها الكروية. لذلك، رفضه المُتكرر للحديث عن ما إذا كان يرى راؤول مظلوماً يمنح مؤشرًا عن حجم الضغوط الداخلية التي تضغط على قرارات تعيين المدربين في العاصمة الإسبانية. وعندما تحدّث عن شابي ألونسو، قال:
"كان لاعباً أساسياً بالنسبة لنا، يفكر كثيراً في مصلحة الفريق قبل مصلحته الشخصية، ونقلت هذه الروح كمدرب أيضاً. توقعتُ دائماً أنه سيصبح أحد أنجح الأسماء في التدريب".
راؤول: من أيقونة ملعب "البرنابيو" إلى منفى الكاستيا

بعدما حصد راؤول غونزاليس لقب هداف الأبطال الخمس مرات مع ريال مدريد، وانطلق زميلًا لكريستيانو وميسي في سباق الأرقام القياسية، بدا مسار انتقاله من ملعب الفريق الأول إلى دكة "الكاستيا" خطوة قسرية، لا يخرج منها إلا بدرجاتٍ لا تعكس تاريخ أسطوري حفره في ذاكرة "المرينغي". استطاع راؤول في المواسم الخمسة الماضية، منذ تسلّمه مهمة تدريب الفريق الرديف، تحقيق نسبة فوز تتجاوز 60% في دوري الدرجة الثالثة الإسباني، وتأهيل ما لا يقل عن عشرة لاعبين شباب للمرحلة الأولى أوكوينتاس في النادي.
ألمح النقاد إلى "المعركة الخفية"
لا تخلو صفحة إدارة ريال مدريد من صراعٍ خلف الكواليس بين من يرى أن المنصب هو حقٌ مكفول لراؤول لصداقته الطويلة مع النادي وثقافته الملكية، وبين من يدافع عن إحضار مدربٍ من العيار الثقيل مثل ألونسو، الذي خاض تجارب تدريبية في بايرن ليفركوزن ولفت الأنظار بنهج pressing المكثف والاعتماد على الهجوم المبكر. ورغم دفاع ديل بوسكي المتكرر عن شخصية ألونسو الفاضلة ومسيرته كلاعب، فإن صمته حول راؤول أُرجِع إلى خوفه من "زعزعة استقرار غرفة الملابس" وفتح جروحٍ قديم الجرَح في علاقات الإدارة مع نجمٍ عتيق.
فرص راؤول أمام لجنة التعيين

تراجعت فرص راؤول في اللحظات الأخيرة بعد ضغوط "اللجنة الفنية" التي يرأسها زين الدين زيدان ونجم "المرينغي" السابق، والتي أيدت في اجتماعاتٍ سرية جلب ألونسو لقيادة الفريق. ويُقال إن الإدارة أصبحت تأخذ في الاعتبار ليس فقط التاريخ بل "العلامة التسويقية" لاسم ألونسو حول العالم وراتبُه المتوقع الذي لن يكسر سقف الرواتب الصارم في الليغا.
ما الذي ينتظره "صانع الفارق" القادم؟
مع قدوم شابي ألونسو من يونيو، سيحمل على عاتقه مهمة إعادة بناء هرم ريال مدريد وإضفاء بصمةٍ هجومية مبتكرة على "السانتياغو برنابيو"، في تجربة ستتداخل فيها إرثه كلاعب مع التحديات الإدارية والجماهيرية. بينما سيواصل راؤول في "الكاستيا" مهامه بتكوين جيلٍ جديد من المحترفين، وسط توقعات أن يبقى على مقعده العام المقبل، وربما ينتقل بعد ذلك إلى تجربة خارجية قبل أن يعود مدربًا للفريق الأول.
صمت ديل بوسكي.. بداية جولة جديدة من الجدل
في النهاية، جاء صمت فيسنتي ديل بوسكي كشرارةٍ أشعلت مواقع التواصل ومجالس الصحافيين، فوُصِف بأنه "أفضل أنواع الرد" في الساحة الملكية، التي اعتادت أن تُخفي خلافاتها خلف أبوابٍ مغلقة. ومع انطلاقة عهد ألونسو وصمت ديل بوسكي، وتفرّد راؤول في ملاعب "الرافا بينيتيز" الاحتياطية، يبقى السؤال الأكبر: أي من مساري الرجلين سيُكتب له النجاح الحقيقي في أحب ناديين إلى قلب الإسبان؟ وما إذا كان العدل سينصف راؤول في نهاية المطاف، أم سيظل "ظلم الماضي" ذا أبعاد أعمق وأكبر من مجرد مشاكل تُحل على الورق.