الجيش التركي يهزم المرض والهلال: ميريح ديميرال يصنع المعجزة ويهدي الأهلي اللقب الآسيوي

تضحية بطولية أمام “الزعيم”

قبل صافرة انطلاق مواجهة الأهلي والهلال في نصف نهائي دوري أبطال آسيا "النخبة" 2024–2025، تلقى ديميرال إشارةً طبية مفاجئة تُحذّره من خطورة المشاركة وهو مصاب بحمى مرتفعة، لكنه رفض الانسحاب، مُصرّاً على تمثيل فريقه في تلك اللحظة المفصلية. وعندما سُئل عبر مقطعٍ مصوّر نشره على قناته الرسمية في "يوتيوب" إلى جانبه زميله إزجيان إليوسكي، عن حالة ارتجافه من المرض، ردّ الكابتن الباسل ببساطة: "لقد لعبت رغم الألم، لأنني أهلاويّ فوق كل اعتبار".

وتجلّى تأثير روح جماهير الأهلي في المدينة الساحلية حينما ارتفعت أصوات التشجيع، لتحفّزه على التراجع عن الانسحاب وتقديم واحدة من أفضل مبارياته الدفاعية هذا الموسم. انتهى اللقاء بفوز الأهلي (3–1)، ليُطفئ أحلام الهلال في ربع النهائي، ويُمهّد الطريق أمام الفريق لحصد اللقب الآسيوي لأول مرة في تاريخه.

مشهد الاحتفال والتتويج الأول تاريخياً

بعد أيام قليلة من ذلك الانتصار التاريخي، أطال الأهلي ليلةَ النهائي ضد كاواساكي فرونتال الياباني، حيث نجح فريق المدرب الهولندي رينارد في فرض أسلوبه والسيطرة على المباراة (2–0)، وسط حضور جماهيري غمر الملعب بصيحات الفرح والزغاريد. وعانق ديميرال زملاءه الأبطال، حاملين كأس دوري أبطال آسيا "النخبة" بعد صيامٍ طويل عن البطولات القارية، لتبدأ شاشة التاريخ الجديدة في سجل "الراقي".

من أتالانتا إلى جدة: رحلة كلفت 17 مليون يورو

انضم ميريح ديميرال (27 عاماً) إلى صفوف الأهلي صيف 2023 قادماً من أتالانتا الإيطالي مقابل 17 مليون يورو، في صفقةٍ اعتبرها محلّلون إحدى الأغلى في كأس المال السعودي. ومنذ انطلاقة مشواره مع الفريق، خاض المدافع التركي 62 مباراة رسمية شاملاً الدوري السعودي وكأس الملك ودوري النخبة الآسيوية، مسجّلاً هدفين وصانعاً 3 تمريراتٍ حاسمة، محقِّقاً سمعةً دفاعية صلبة مزيجها القوة البدنية والتمركز الذكي.

وبالرغم من تأرجح نتائج الأهلي محلياً هذا الموسم، حيث احتل المركز الخامس في دوري روشن السعودي برصيد 61 نقطة من 31 لقاءً، وودع مبكراً كأس خادم الحرمين الشريفين وخسر لقب السوبر السعودي، إلا أن تتويجه باللقب الآسيوي أعاد الثقة إلى الجماهير الداخلية والخارجية على حد سواء.

قوة الدفاع وأسرار الانتصار

أوضح ديميرال في حواره مع إليوسكي أن سرّ تجاوزه المرض يعود إلى دعم الجماهير وثقة المدرب رينارد التي منحت اللاعبين شحنةً معنوية هائلة. وأضاف:

“كلما شعرت بالتعب أو الخوف، كان صوت الأهلاويين يذكّرني بأنني أدافع عن منزلٍ كبيرٍ اسمه الأهلي. لقد تناسيت المرض تماماً حينما كان الجمهور يصفِّق لكل تدخل ناجح أقوم به.”

ويُعتبر تحصين دفاع الأهلي بمستوياتٍ عالية، معتمداً على ثنائياتٍ ثابتة وتنظيمٍ تكتيكيٍّ صارم، أحد العوامل الرئيسية خلف صدارته للمربع الذهبي في البطولة القارية لأول مرة في التاريخ.

ضغوط المباريات الحاسمة وتأثيرها على البدن

خوض لقاء نصف النهائي وهو في حالة "ارتجاف" لم يكن حالةً عرضية، بل ثمرة تراكم الإرهاق والضغط النفسي والجسدي داخل أجندة موسمٍ حافلٍ بالمباريات والصراعات المحلية والقارية. وأكد الجهاز الطبي للنادي أن ديميرال تجاوز مرحلة الخطر بصعوبة، حيث خضع لكشوفات مكثفة قبل وبعد المباراة، لتفادي المضاعفات وضمان عودته سريعاً للمشاركة في النهائي.

وبرغم تراجع حالته الصحية فور نهاية مواجهة الهلال، إلا أن استعداده المميز وتلقيه العلاج اللازم مهد الطريق لمشاركته في المباراة النهائية دون أن يؤثر ذلك على مستواه الفني.

الرهان على الاستمرارية وبناء المستقبل

في ضوء التتويج التاريخي بدوري أبطال آسيا "النخبة"، يخطط النادي الأهلي لإعادة بناء فريقٍ قادر على المنافسة عربياً وقارياً في المواسم المقبلة. وتشير تقارير إلى أن الإدارة تسعى لتمديد عقد ديميرال لما بعد يونيو 2026، تقديراً لدوره القيادي داخل الملعب وخارجه، والعمل على تعزيز الشراكة الدفاعية معه بعناصر شبابية قادرة على التعلم من خبراته.

من جانب آخر، يعتقد المحللون أن تتويج لقب آسيا سيُعيد مكانة الأهلي إلى مصاف الأندية العشر الأكثر قيمةً في القارة، وسيُسهم في جذب صفقاتٍ نوعية للسوق الصيفي المقبل، خاصةً وأن البنك الدولي لتسويق اللاعبين يربط ارتفاع القيمة السوقية لأي نادٍ بتحقيق إنجازاتٍ قارية.

خاتمة: أسطورة تركية ونشوة قارية لا تنتهي

لن يُمحى من ذاكرة الأهلي هذا الموسم سوى فصلٍ ساحر كتبه مدافعٌ تركي قرر مواجهة المرض في أعتى لحظةٍ كروية. ميريح ديميرال لم يقدّم فحسب أداءً دفاعياً أسطورياً، بل قدّم درساً في الالتزام والانتماء لأي لاعبٍ يرفع شعار القميص الذي يرتديه.

موسم 2024–2025 سيُذكر دوماً باعتباره موسم الأبطال، ممن تحدّوا المستحيل وكتبوا المجد بأقدامٍ ارتجفت من الحمى وقلوبٍ احتفل صداها في كل بقعةٍ من جدة، فهل يستمر العطاء القاري للأهلي ويبدأ نجمنا التركي صفحةً جديدةً من الإنجازات؟ الأيام كفيلة بالإجابة، لكن الأكيد أن التاريخ قد سجّل اسم ديميرال بأحرفٍ من ذهب.