من روما إلى جدة: لحظة الاختيار الحاسمة
شهدت صيف 2023 تواجدًا إداريًّا مكثفًا داخل معسكر الأهلي في النمسا، حيث كان يزن الشريف، الرئيس التنفيذي السابق، يتواصل مع لاعبي الفريق ويستطلع آراءهم حول الأسماء المقترحة لتعزيز الدفاع.
ويكشف الشريف في حوارٍ لـ“دورينا غير” أن العملية لم تكن تقليديةً، بل امتدت إلى غرفة تبديل الملابس نفسها:
“عندما سألت زملاءنا –حيث اعتبرتهم عائلة واحدة– عن الأسماء المتاحة للدفاع، اجتزت الاقتراحات الأخرى جميعها لصالح روجر إيبانيز، الذي رشحه فيرمينو دون أي اسمٍ آخر.”
هذا الموقف "داخل المعسكر وخارجه" شكل البداية الحقيقية لتوقيع عقدٍ مع مدافعٍ تميز بمزيجٍ من الخبرة الأوروبية (دوري المؤتمر) والطموح البرازيلي، فعُدَّت توصية “فيرمينو” بمثابة ختمٍ على صفقةٍ وُصفت حينها بالجريئة.
عقلية البطل: التفاوض على نحوٍ احترفي
لم يكن انتقال إيبانيز إلى الأهلي، بطل آسيا حديثًا، مجرد صفقة انتقالٍ أخرى، بل شمل الحوار التفاوضي استعراضًا لمشروع النادي السعودي وطموحه في المنافسات القارية والعالمية.
- البحث عن المشروع: طرح إيبانيز تساؤلاتٍ مباشرةً عن البنية التحتية وبرامج التطوير وخطة الأهلي للموسم المقبل قبل أن يُظهر حرصًا على الانضمام إلى فريقٍ يكون فيه جزءًا أساسيًّا من بداية حقبة جديدة.
- النية الواضحة: قال الشريف إن “عقلية إيبانيز الاحترافية من أهم أسباب إتمام الصفقة”، إذ لم يرضَ بأدوار ثانوية أو مجرد راتب ضخم، بل عن “مشروع تنافسي يليق بمسيرته ويجعله يتطور”.
بصمات قتالية دفاعيًا وهجوميًا

منذ أول مشاركةٍ رسمية له مع الأهلي، تبيّن للمتابعين أن شارة الثقة التي منحوها إياه كانت موضعها الصحيح:
- دفاعٌ صلب: ساهم في غلق المساحات أمام المهاجمين بخبرة القراءة المبكرة للكرات، مع متوسط قطعٍ وصل إلى 4 كراتٍ منتزعةٍ في المباريات الحاسمة.
- الكرات الثابتة: اعتمد الأهلي على قوته في الضربات الركنية والركلات الحرة، فسجل 7 أهدافٍ رأسيةٍ ونفّذ 4 تمريرات حاسمة ضمن 42 مباراةٍ في مختلف المسابقات هذا الموسم.
- التتويج بلا هزائم: لم تتلقَّ شباك الأهلي أي هدفٍ بحضوره في دوري الأبطال الآسيوي حتى النهائي ضد كاواساكي فرونتال، حيث افتك الفوز ذهبيًّا عبر ثنائية جالينو وكيسييه.
مقارنةٌ مع مسيرته في روما
مع روما، شارك إيبانيز في 55 مباراةٍ بجميع المسابقات، وسجل 9 أهدافٍ وصنع اثنتين، قبل أن يصل إلى 10 أهدافٍ و5 تمريراتٍ حاسمةٍ مع الأهلي في موسمٍ واحدٍ، تفوّقٌ ملحوظ بعد انتقاله إلى بيئةٍ هجوميةٍ أكثر تحررًا واستثمارًا في نقاط قوته.
وتؤكد إحصائيات “أوبتا” نموَّه الهجومي بنحو 30% مقارنةً بأرقامه في الكالتشيو، في حين حافظ على نسبة تدخلاتٍ دفاعيةٍ عاليةٍ قاربت 85% على دقته في الالتحامات الثنائية.
تتويج القارة الآسيوية: نهايةٍ حزينةٍ لكتيبة العجوزة
بلغ الأهلي النهائي الآسيوي بعدما صعد وصيفًا في الدور التمهيدي للبطولة قاطعًا خطوةً خطوة، ثم تجاوز أندية الريان وبوريرام والهلال، ليقف في وجه كاواساكي فرونتال في جدة.
وحسم المدافع الخطر النهائي عبر ضبطه لمناطق الجزاء، وتسجيله الهدف الثاني من كرة ثابتةٍ أثر بها على دفاع اليابانيين.
بهذا الفوز (2–0)، لُفّ عنق الأهلي بلقبٍ طال انتظاره، ورفعت الجماهير العربية سعدًا هتافاتٍ لرجلٍ بات رمزًا للثبات القاري.
خلف الكواليس: نية الاستمرار وبناء النجوم

مع نهاية موسمٍ كرويٍّ حافلٍ، يسعى الأهلي لتجديد عقد إيبانيز البالغ من العمر 28 عامًا إلى عامٍ إضافيٍ على الأقل، بعد أن وضع اسم المدافع بقائمة “أفضل لاعب آسيوي” في استفتاءاتٍ صحفيةٍ معظمها سلّط الضوء على “روح النادي الذي لا يرضى إلا بالمراكز الأولى”.
- الاستعداد لأوروبا: تعمل إدارة الكرة على توفير بيئةٍ تدريبيةٍ متكاملةٍ لتأهيله للمعارك الأوروبية المقبلة، حيث يمكنه المشاركة في مونديال الأندية والاستفادة من خبراتٍ يدخلها من بوابة آسيا.
- دمج الشباب: أصبح إيبانيز قدوةً للاعبين السعوديين، وزار الأكاديمية في أكثر من مناسبةٍ لتوعية الموهوبين بأهمية “التزام اليقظة الدفاعية وأيضًا التحضير البدني والعقلي” وفق توصياته الشخصية.
خلاصة احترافيةٍ آسيويةٍ
من معسكرٍ نمساويٍّ تسرّبت إليه توصية فيرمينو، مرورًا بحوارٍ مفتوحٍ عن المشروع الاحترافي، وإنهاض دفاعٍ عنيدٍ حدَّ المشاركة في عدم تلقي أي هدفٍ في نصف القائمة الآسيوية، ووصولًا لتتويجٍ تاريخيٍّ أمام كاواساكي، رسم روجر إيبانيز خريطة نجاحٍ تجسد أن الخيارات الجريئة في الانتقالات والقرارات الفنية المبنية على “عقلية الفريق الواحدة” قادرةٌ على تغيير مصائر الأندية بسرعةٍ تفوق توقعات الاتحاد الآسيوي وكل متابعي القارة.